-->

ليس لأي قوة في الأرض سلطة على الإنسان تخالف منهج عدل الله للناس كل الناس

ليس لأي قوة في الأرض سلطة على الانسان تخالف منهج عدل الله للناس كل الناس .



بقلم د / عبدالعزيز البكير



إن الله خلق الإنسان لأمر أراده وحكمة يعلمها ، لم يخلقه عبث ولم يتركه هملا للجهالة والضياع ، بل أعطاه الدليل المادي على وجود الله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك ترك للعقل والفكر دوره ومن ثم دور الرسل الذي أرسلهم ليبلغوه منهج عدل الله بالناس كل الناس الذي يأمره أن يفعل وألا يفعل.

1:أعطى الله الإنسان أدوات وإدراكات هامة ودقيقة وبديعة لمعرفة الأشياء التي ولد ولم يعرف منها شيئًا، وتبدأ معرفة الأشياء لديه بتدرج العمر كلما تقدم في العمر عرف أكثر ، وهذه الأدوات سماها العلماء ب"الحواس الخمس" وهي: السمع، البصر ، اللمس، والتذوق، والشم.
فالأذن تسمع الأصوات، والعين ترى الأشياء، واللمس يعطي الإنسان معلومات عن الأشياء، واللسان يتذوق، والأنف يشم الروائح ؛ هذه الحواس الخمس الظاهرة التي حددها العلماء، وهناك حواس أخرى خفية اكتشفها العلم، فهناك مثلًا: الشعور بالجوع لا يخضع لأي من الحواس الخمس، وهناك حاسة الوزن التي تعرف بها بأن هذه العبوة أو هذه الشنطة ثقيلة أم خفيفة ، ولا يمكن تحديد وزن ذلك بالنظر ، بل بحاسة العضلات، وهناك حاسة أخرى تكون بواسطة الأعصاب تعرف من خلالها إذا كان الشيء سميك أو رقيق، وهناك أشياء تسمى انفعالات في الإنسان مثل الخوف والحب والكراهية ، وهذه حواس لم تكن من ضمن الحواس الخمس ، فالإنسان يستفيد في سنوات عمره كلما تقدم به العمر توسعًا بمعرفة ما يدور حوله ويخدمه وينتفع به ، -كالشمس تشرق وتعطيه الدفاء والضياء كل يوم، والقمر يضيء له بالليل، والأرض تنبت له الثمار، والماء ينزل له من السماء-، يستدل بها على أن لهذه الأشياء صانع وخالق لأنها أكبر من الإنسان وفوق قدرته أن يدعي صناعتها وتسييرها ، فمن يسير الشمس بذلك النظام الدقيق في الشروق والغروب دون أن تتأخر يوما عن وقت شروقها وساعة غروبها ،وكذا عملية الهواء التي تحيط بالكون تتنفس منه المخلوقات وكذلك الماء الذي ينزل من السماء على الأرض فتهتز وتنبت من كل زوج بهيج من الثمار والزروع ، كل تلك الكائنات والموجودات آيات للإنسان يستدل بها بأن خالق الكون ومكونه وصانعه هو الله .
2:: مهمة العقل لترد على على السؤال الذي يوصلك إلى باب الإيمان الذي يقول :بأن هناك قوة عظيمة وهائلة ومنظمة ودقيقة هي التي أوجدت هذا الكون وخلقته، ولكن ماهي هذه القوة؟ ، وما اسمها؟ ، وماذا تريد من الإنسان؟ ؛ وهذه هي مهمة العقل ليجيب عليها . ويوصلنا إلى حقيقة : أن من خالق هذا الكون وخالق الإنسان هو الله سبحانه وتعالى، وهذه الأدلة -أدلة وجود الله- جعلها في الكون من أول أيام الخلق ليكون العدل بين الناس، كل الناس. ولذلك تجد المؤمن وغير المؤمن يعترف أن الله هو الخالق، وكما جاء بالقرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) سورة الزمر الآية 38 ، وقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) سورة العنكبوت الآيات 61 ، وقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (87)) سورة الزخرف الآيات 87.
إذًا لماذا يعترف المؤمن وغير المؤمن بأن الله هو الخالق؟، الأمر بديهي ، لأن القضية أكبر من أن يدعيها أحد، فلا تجرؤ أميركا وبريطانيا وأوروبا وروسيا أن تدعي أي منها أو مجتمعة أنها خلقت الشمس أو القمر أو الأرض أو الإنسان ونفخة الروح فيه لأن تلك القدرات فوق قدرة البشر جميعًا ومهما تقدم العلم فلن يصل أحدٌ إلى أن يدعي هذا الإدعاء.
3: يأتي دور الرسل:-
فالله أرسل الرسل ليقولوا للناس أن خالق هذا الكون هو الله وأنه إله واحد لا شريك له، وأن لا يشركوا به أحدًا، وأن يشكروه على نعمة الحياة والخلق.
الرسل هنا جاءوا ليبلغوا الناس قضية محسومة وقضية يمكن أن يحدث فيها جدل، فالقضية المحسومة أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، فالله جلّ جلاله قال أنه خَلق، ولم ينازعه سبحانه وتعالى أحدًا في قضية الخلق:، إذًا قضية الخلق قضية محسومة لا جدال فيها، وأما القضية التي أثير فيها الجدل فهيا قضية المنهج الذي جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالرسل جاءوا بمنهج الله العدل "إفعل، لا تفعل" ، ولكي يؤمن الناس بصدق هذا المنهج وأنه جاء من عند الله أيد الله رسله بمعجزات تؤكد صدق بلاغهم عن الله هنا حدث الجدل في المنهج ، فهناك مترفون من الملوك والأمراء والرؤساء لا يريدون أن يقيدوا أنفسهم بمنهج عدل، فهم يستغلون الناس، ويأخذون الخيرات كلها، ويتركون لهم الفتات لعيشوا الجوع والحاجة والعوز والفقر، وهم يعيشون حياة بذخ وترف على حساب حقوق الناس وحرياتهم وكرامتهم، وهذا ما جعل المترفون والحكام يقفون ضد منهج الله، لأنه يساوي بينهم وبين عامة الناس ويسقط عنهم الميزات والمميزات، ولكن منهج الله يحمل ميزان العدل والدليل على صحته، أولًا أنه جاء بقضية الألوهية المحسومة المادية، وثانيًا أنه طلب من الناس أن يتأملوا في خلقه ليروا إعجازه وفي ذلك قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٍۢ مُّخْتَلِفًا أَلْوَٰنُهَا ۚ وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌۢ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) سورة فاطر(27) ، فالله يبلغنا في هذه الآية إلى مقومات حياة الإنسان وكيف أن الإنسان لم يوجد هو مقومات حياته على الأرض.
إذًا فالله خالق الكون وما في الكون كله مسخر بأمر الله لخدمة الإنسان ، هذا يعطيه الماء وهذا يعطيه الطعام وهذا يعطيه اللحم وهذا يعطيه الصوف وهذا يعطيه الخشب،فكل حاجيات الإنسان وضعها الله سبحانه وتعالى واستودع في هذا الكون، وكل شيء في الكون يعود إلى الله، وكل خلق نراه أمامنا وفي حياتنا موجود فيه جزء من الخلق الأول الذي أوجده الله، ولولا هذا الجزء لانقرض هذا الصنف من الأرض لأن كل شيء حي لا بد أن يأخذ حياته من حياة شيء حي سبقه، فلا توجد حياة من ميت، معنى ذلك أن حلقات الحياة ظلت متصلة منذ خلق الله تعالى الكون والإنسان حتى الآن، فكل حي يعطِي من حياته للذي بعده في هذا الوجود الكوني الذي أعده الله للإنسان وهو حقلة مستمرة من الحياة التي أوجد الله بها الإنسان واستخلفه على الأرض، فإذا توقفت حلقة منها وماتت قبل أن تعطي استمرارية الحياة لما بعدها انقرض الشيء، فلذلك فإن الكون الذي نعيش فيه هو خلق الله سبحانه وتعالى ومسخر بأمر الله لخدمة الإنسان حتى نهاية الوجود والاستخلاف على الأرض، فإذا ما جاءت الساعة دمر الله هذه الحياة كلها لأن مهمتها قد انتهت ومهمتها هو عمرها الافتراضي المحدد بعلم الله يوم خلق السماوات والأرض وقدر الأرزاق وحدد الآجال كما قضاه أمره و إرادة مشيئته سبحانه جل في علاه فلا مبدل لأمره ولا مغير لإرادته فيما أراده في ملكه وملكوته فلا يستطيع أهل الأرض تغيير ما أراده الله للانسان فردًا أو جماعة أو شعوب أو أمم ، فكل شيء بعلم الله وارادته وقضاؤه لا يغيره أو تبدله قوة أو إرادة غير إرادته سبحانه وتعالى المحيط علمه بأهل ملكوت السماوات والأرض، فها هي القوة والعلم والتطور الذي تدعيه الدول العظمى ومنها أمريكا تقف عاجزة أمام أضعف مخلوقات الله جائحة كورونا، وها هي دولة الاحتلال الصهيوني ومعه دول العالم ومترفيها ومفسديها يعملون سبعين عامًا ضد الشعب العربي الفلسطيني الأعزل المحاصر، فلم تستطع إزالته وإلغاء وجوده وحقه في الحياة والوجود ، وها هي بلادنا وشعبنا اليمني المستضعف يواجه في عامه السادس أعتى حرب كونية معادية لمنهج عدل الله، وها هي سوريا في عامها العاشر تقريبا من التصدي والصمود والمواجهة لدول العدوان والخيانة والتآمر العربي ودول وأنظمة الفساد والاستكبار الاقليمي والدولي التي تسهدف سوريا أرضا وإنسانا وأمنا واقتصادا وإدارة و لم تستطيع تلك القوى بإمكانياتها تحقيق أهدافها وغياتها سوري، وإن استطاعت تلك القوى والدول المستكبرة إلحاق الضرر في الشعب اليمني والفلسطيني والسوري والعراقي والليبي،لكنها لم تستطع إلغاء الوجود العربي والهوية العربية رغم تواطؤ الحاكم العربي والذي قد يكون اختبار من الله وتمحيص لإيمان الشعب العربي بكل أقطارها ليؤجرها على ما أصابها ، وقد يكون ظلم تلك الدول وتسلطها سبب لإزالة ملكها وإنهاء فسادها في الأرض ، لأن الله لا يصلح عمل المفسدين ولا يرضى لعباده الظلم والفساد والإضرار بالإنسان الذي كرمه على سائر مخلوقاته من خلقه بنفسه ونفخ فيه من روحه واستخلفه على الأرض وأرسل إليه الرسل وبين له منهج الحياة وحرم قتله وايذاءه والتنكيل به حيث جعل حرمة النفس وجرم قتلها كقتل الناس جميعًا بقوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) المائدة) ، نعم الكون كله لله والناس خلقه جميعًا بهذا نؤمن ونسلم ولا نيأس رغم الظلم والجور والطغيان مؤمنون بعدل الله ووعده بالنصر للمستضعفين الذين ظلموا ، فلن نقنط من رحمته وعدله أبدًا مهما أوذينا بأنفسنا وظلمنا في بلادنا ووطننا وشعبنا اليمني والعربي ، سنظل يمنيين عرب مسلمين مؤمنين ثابتين على الأرض والدين حيث وضعنا الله ورسوله ، لن ولم تتغير وجوهنا ووجهتنا لو تضعف عزيمتنا وإيماننا أو ننتقل من موضع وضعنا الله ورسوله فيه ، إما أن ننتصر أو نموت دون تلك المبادئ والثوابت والقيم الإيمانية اليمنية العربية الإسلامية والإنسانية والحضارية التي وجدنا أنفسنا فيها ووضعنا الله ورسوله من الأرض والدين حيث وضعنا وأرتضى لنا سبحانه وتعالى أن نكون ، قائمين على الحق و المنهج القويم ، مستمرين خلف عن سلف ، وحفيد عن ابن وأب وجد، جيلا بعد جيل متتابعين متعاقبين على تلك السجايا والقيم الرفيعة ما حيينا وما دامت الحياة والسماوات والأرض وما دمنا نتنفس الصعداء ، وتشم أنوفنا ، الهواء ، وتسري في أوردتنا الدماء ، ويتعاقب الليل والنهار والشمس والقمر ، وتلهج السنتنا بذكر الله ورسوله ، وتصدح المآذن والمنابر بشهادة ألا إله إلا الله وشهادة أن محمد رسول الله ، وترتفع أصوات المصلين بالمساجد بالتسبيح والاستغفار وتسجد الجباه لله خاشعة مسلمة حنيفة على ملة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لم ولن نتحول أو نحيد عن تلك المبادئ إن شاء الله
 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال